أخر الاخبار

الوضوء فضله شروطه فرائضه

تعريف الوضوء:
الوضوء لغة: مِن الوضاءة، وهي التنظُّف والتجمُّل.
وشرعًا: هو طهارة مائية مفروضة لأعضاء مخصوصة، في أحوال معينة، ويُسمَّى الطهارة من الحدَث الأصغر، أي: (البول والبراز والريح)، لإباحة ما منعه الحدث من العبادات.

فضل الوضوء:
الوضوء يُكفِّر الذنوب، ويمحو الخطايا، فعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ[1]
t أن النَّبِيَّ r قال: ((مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ))[2].
والوضوء يُضاعف الأجر، ويرفع الدرجات، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ r: ((أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟)) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((إِسْبَاغُ[3] الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ[4]، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ))[5].
والوضوء يُضفي النور على المسلم يوم القيامة، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ t أنَّ النَّبِيَّ r قال: ((إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا[6] مُحَجَّلِينَ[7] مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَن اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ[8] فَلْيَفْعَلْ))[9].
ما يجب له الوضوء:
1- الصلاة:
يجب الوضوء للصلاة سواء كانت فرضًا أو نفلاً، أو صلاة جنازة، أو سجدة مفردة، يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ))[10].
2- الطواف بالكعبة:
وذلك عند الفقهاء الذين يعتبرونه صلاة، وعَن ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم: قَالَ: ((الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلاةِ، إِلا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ))[11].
وكان ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه و سلم، فقد رُوي عن عُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ قَالَ: قَدْ حَجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلم فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ[12].
شروط صحة الوضوء:
1- أن يكون الماء طهورًا يصلح للتطهر به[13].
2- ألا يوجد حائل يمنع الماء من الوصول إلى أي جزء من البشرة، وعلى هذا فطلاء الأظافر، أو ما يسمَّى (بالمانيكير) وكذلك الشعر المستعار، أو ما يسمّى (بالباروكة والبوستيج) كل من هذه الأشياء يُعدُّ حائلاً بين العضو والماء؛ لأن له جسمًا يحول بين الماء والوصول إلى جزء من أعضاء الوضوء.
ويلحق بهذه الأشياء كل ما يلتصق بالجسم ويكون له جسم ظاهر، مثل الشحوم والدهانات والعجين وغيرها، فلا يصح الوضوء ولا الغسل في حال وجودها، وإنما يجب إزالتها كلها أولاً قبل البدء في الوضوء أو الغسل، وكذلك ينبغي تحريك الخاتم أو الأساور ليصل الماء لما تحتها.
وتُستثنَى من ذلك حالات الضرورة – كالعلاج مثلاً – أو إذا كان الحائل شيئًا لا يمكن الاحتراز منه، أو استحالت إزالته، فيجوز الغسل والمسح عليه؛ تيسيرًا ورفعًا للحَرَج.
أما لون الحِنَّاء الذي يبقى في اليد أو القدم أو الشعر بعد إزالة أصلها، فلا يُعد حائلاً، ويصح الوضوء والغسل به؛ لأنه عبارة عن لون فقط اختلط بالجلد أو الشعر، وليس له جسم ظاهر.
3- ألا يحدث ما ينقض الوضوء أثناء القيام به، كخروج ريح أو بول، فإن حدث ذلك فيجب إعادة الوضوء من أوله، إلا من كان معذورًا[14].
4- تمييز الفرض من السُّنة، بحيث لا يعتقد الفرض سُنَّة، والسُّنة فرضًا، فإن لم يفرِّق بينهما بَطَل وضوؤه عند جماعة من الفقهاء.
فرائض الوضوء:
للوضوء فرائض إذا سقط أحدها بطل الوضوء، وهي:
1- النية:
وهي إرادة الشيء مقترنة بفعله، وهي فرض لقوله صلى الله عليه و سلم: ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)) [15]. فينوي الإنسان بقلبه الوضوء الشرعي لرفع الحدث والتجَهُّز لعبادة الله عز وجل، بصلاة أو غيرها، فإن نوى التبرَّد أو التنظيف فقط لا تصح صلاته به.
والنية عمل قلبي، لا دخل للسان فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الجهر بلفظ النية ليس مشروعًا عند أحد من علماء المسلمين، ولا فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم، ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها، وأما التلفظ بها سرًّا فاستحبَّه طائفة من العلماء، ولم يستحبه طائفة، بل رأوا أنه بدعة مكروهة[16].
2- غسل الوجه:
أي إسالة الماء عليه، وحدُّه من منابت شعر الرأس إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضًا، ويجزئ الغسل مرة واحدة.
ويجب على المتوضئ عند غسل وجهه أن يتتبع جفني عينيه وأرنبة أنفه[17]، وذلك لئلا يترك في الوجه شيئًا دون أن يصيبه الماء، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ[18] قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يَمْسَحُ الْمَاقَيْنِ[19].
3- غسل اليدين إلى المِرفقين[20]:
والمرفق هو المفصل البارز في منتصف الذراع بين العضد والساعد، ويسميه الناس (الكوع)، ويجب أن يدخل المرفقان في الغسل، ويجب أن يصل الماء إلى ما بين أصابع اليدين، فإن لم يتحقق ذلك إلا بتخليلها وجب التخليل.
4- مسح الرأس:
والمسح معناه الإصابة بالبلل، ولا يتحقق إلا بحركة الماسح على الممسوح، واختلف الفقهاء في القدر الواجب مسحه من الرأس، فيرى بعضهم أن الواجب مسح جميع الرأس، لحديث عَبْد اللَّهِ بْن زَيْدٍ[21] أن النبي صلى الله عليه و سلم مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ حَتَّى ذَهَبَ بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ[22].
ويرى البعض الآخر أن الواجب مسح بعض الرأس، ومسح الكل سُنَّة؛ حيث فهموا أن الباء في (بِرُءُوسِكُمْ)
للتبعيض، واستدلوا بحديث الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ
[23] أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و سلم تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ[24] وَعَلَى الْعِمَامَةِ[25]. أي أنه
صلى الله عليه و سلم مسح مقدم رأسه، وأكمل المسح على العمامة.
ويُفهَم من هذا أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا اكتفى ببعض الرأس يتمم مسح الباقي على العمامة، لتكون الطهارة على جميع الرأس، ولا فرق بين أن يكون لبس العمامة على طُهْر أو على حَدَث.
والأولى إن كان لا يرتدي عمامة أن يمسح المتوضئ جميع رأسه احتياطًا، وذلك بإمرار يديه على رأسه كلها مبتدئًا بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى الأمام، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم، وإن كان يرتدي عمامة فليحسرها عن مقدمة رأسه فيمسحها، ويتمم باقي المسح على العمامة، ولا يقتصر على المسح على أحدهما.
كيف تمسح المرأة رأسها؟
يرى بعض الفقهاء أن المرأة تكتفي بمسح مقدَّم رأسها تخفيفًا، قال الإمام أحمد: ((أرجو أن تكون المرأة في مسح الرأس أسهل؛ فإن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها))[26].
ولها أن تُعمِّم رأسها بالمسح إن أرادت، ولا تنقض ضفائرها، بل تمسح عليها مع باقي شعرها.
ويأخذ خمار المرأة نفس حُكم عمامة الرجل في جواز المسح عليه مع مقدمة الرأس، فتدخل يدها من تحته فتمسح مقدمة رأسها ثم تتمِّم باقي المسح على خمارها.
5- غسل الرجلين إلى الكعبين:
والكعبان هما العظمتان البارزتان عند مفصل الساق والقدم، ويُطلَق عليهما أيضًا العَقِبان، ويجب إدخالهما في الغسل، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ[27] قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه و سلمفِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاةُ[28] وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: ((وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ)) مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا[29]. أي: ويل لأصحاب الأعقاب الذين يتركون غسلها في الوضوء.
ويجب أن يصل الماء إلى ما بين أصابع القدمين، فإن لم يتحقق ذلك إلا بتخليلها بأصابع اليد وجب التخليل.
ومن قُطِع من أعضائه بعض ما يجب غسله، وبقي البعض، وجب عليه غسل ما بقي، وإن قُطِع موضع الفرض كله سقط عنه الغسل، ويستحب له غسل موضع القطع.
6- الترتيب:
ومعناه التزام الترتيب في غسل الأعضاء على الترتيب الوارد في الآية الكريمة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) [30]، أي: غسل الوجه، ثم اليدين إلى المرفقين، ثم مسح الرأس، ثم غسل الرجلين، وعن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: ((أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ)) [31].
والترتيب هو الثابت من فعله صلى الله عليه و سلم في أحاديث كثيرة فعن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضى الله عنه أنه دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلاثَ مِرَارٍ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم ((مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) [32]
تعليقات

    ADS 1




    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -